فصل: فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُفْسِدُ الْحَجَّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُفْسِدُ الْحَجَّ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُفْسِدُ الْحَجَّ وَبَيَانُ حُكْمِهِ إذَا فَسَدَ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَاَلَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ.
الْجِمَاعُ لَكِنْ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ، فَيَقَعُ الْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي بَيَانِ أَنَّ الْجِمَاعَ يُفْسِدُ الْحَجَّ فِي الْجُمْلَةِ، وَفِي بَيَانِ شَرْطِ كَوْنِهِ مُفْسِدًا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ- وَهُمَا مُحْرِمَانِ- مَضَيَا فِي إحْرَامِهِمَا وَعَلَيْهِمَا هَدْيٌ وَيَقْضِيَانِ مِنْ قَابِلٍ وَيَفْتَرِقَانِ؛ وَلِأَنَّ الْجِمَاعَ فِي نِهَايَةِ الِارْتِفَاقِ بِمَرَافِقِ الْمُقِيمِينَ، فَكَانَ فِي نِهَايَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ، فَكَانَ مُفْسِدًا لِلْإِحْرَامِ.
(وَأَمَّا) شَرْطُ كَوْنِهِ مُفْسِدًا فَشَيْئَانِ:.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ حَتَّى لَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ أَوْ عَانَقَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ؛ لِانْعِدَامِ الِارْتِفَاقِ الْبَالِغِ لَكِنْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ لِوُجُودِ اسْتِمْتَاعٍ مَقْصُودٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَفَرَّقْنَا بَيْنَ اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ عَنْ شَهْوَةٍ.
وَلَوْ وَطِئَ بَهِيمَةً لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ؛ لِمَا قُلْنَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا؛ أَنْزَلَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِمْتَاعٍ مَقْصُودٍ بِخِلَافِ الْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ.
وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ فَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا يَفْسُدُ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ فِي الْقُبُلِ عِنْدَهُمَا حَتَّى قَالُوا بِوُجُوبِ الْحَدِّ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُفْسِدُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَيُوجِبُ الِاغْتِسَالَ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُفْسِدُ؛ لِعَدَمِ كَمَالِ الِارْتِفَاقِ؛ لِقُصُورِ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ فِيهِ لِسُوءِ الْمَحَلِّ، فَأَشْبَهَ الْجِمَاعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ؛ وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: إنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِهَا لَا يَفْسُدُ الْحَجُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ، الشَّافِعِيِّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيَفْسُدُ الْحَجُّ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَبَعْدَهُ، (وَجْهُ) قَوْلِهِ إنَّ الْجِمَاعَ إنَّمَا عُرِفَ مُفْسِدًا لِلْحَجِّ لِكَوْنِهِ مُفْسِدًا لِلْإِحْرَامِ، وَالْإِحْرَامُ بَعْدَ الْوُقُوفِ بَاقٍ لِبَقَاءِ رُكْنِ الْحَجِّ- وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ- وَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الرُّكْنِ بِدُونِ الْإِحْرَامِ فَصَارَ الْحَالُّ بَعْدَ الْوُقُوفِ كَالْحَالِّ قَبْلُ،.
(وَلَنَا) أَنَّ الرُّكْنَ الْأَصْلِيَّ لِلْحَجِّ هُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» أَيْ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ أَخْبَرَ عَنْ تَمَامِ الْحَجِّ بِالْوُقُوفِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّمَامَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ ذَا لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْوُقُوفِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ خُرُوجُهُ عَنْ احْتِمَالِ الْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ، وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وُجُودًا وَصِحَّةً لَا يَقِفُ وُجُودُهُ وَصِحَّتُهُ عَلَى الرُّكْنِ الْآخَرِ وَمَا وُجِدَ وَمَضَى عَلَى الصِّحَّةِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِالرِّدَّةِ، وَلَمْ تُوجَدْ وَإِذَا لَمْ يُفْسِدْ الْمَاضِيَ لَا يُفْسِدُ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ بِفَسَادِهِ وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ لِمَا نَذْكُرُهُ.
وَيَسْتَوِي فِي فَسَادِ الْحَجِّ بِالْجِمَاعِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْفَسَادِ، وَهُوَ مَا بَيَّنَّا وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَفْتَوْا بِفَسَادِ حَجِّهِمَا حَيْثُ أَوْجَبُوا الْقَضَاءَ عَلَيْهِمَا وَيَسْتَوِي فِيهِ الْعَامِدُ وَالْخَاطِئُ وَالذَّاكِرُ وَالنَّاسِي عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُفْسِدُهُ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ.
وَالْكَلَامُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَهُوَ أَنَّ فَسَادَ الْحَجِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ فَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْحَظْرَ لَا يَثْبُتُ مَعَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَقُلْنَا نَحْنُ: يَثْبُتُ وَإِنَّمَا الْمَرْفُوعُ هُوَ الْمُؤَاخَذَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَيَسْتَوِي فِيهِ الطَّوْعُ وَالْإِكْرَاهُ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ؛ لَا يُزِيلُ الْحَظْرَ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُكْرَهَةً فَإِنَّهَا لَا تَرْجِعُ بِمَا لَزِمَهَا عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهَا اسْتِمْتَاعٌ بِالْجِمَاعِ فَلَا تَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ كَالْمَغْرُورِ.
إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ وَلَزِمَهُ الْغُرْمُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَارِمِ كَذَا هَذَا وَيَسْتَوِي فِيهِ كَوْنُ الْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ مُسْتَيْقِظَةً أَوْ نَائِمَةً حَتَّى يَفْسُدُ حَجُّهَا فِي الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُجَامِعُ لَهَا مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا؛ لِأَنَّ النَّائِمَةَ فِي مَعْنَى النَّاسِيَةِ، وَالنِّسْيَانُ لَا يَمْنَعُ فَسَادَ الْحَجِّ كَذَا النَّوْمُ، وَيَسْتَوِي فِيهِ كَوْنُ الْمُجَامِعِ عَاقِلًا بَالِغًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ عَاقِلَةً بَالِغَةً حَتَّى يَفْسُدَ حَجُّهَا؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ مَحْظُورٌ عَلَيْهَا.
(وَأَمَّا) بَيَانُ حُكْمِهِ إذَا فَسَدَ فَفَسَادُ الْحَجِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ: مِنْهَا وُجُوبُ الشَّاةِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وُجُوبُ بَدَنَةٍ (وَجْهُ) قَوْلِهِ إنَّ الْجِمَاعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ إنَّمَا أَوْجَبَ الْبَدَنَةَ لِتَغْلِيظِ الْجِنَايَةِ، وَالْجِنَايَةُ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَغْلَظُ؛ لِوُجُودِهَا حَالَ قِيَامِ الْإِحْرَامِ الْمُطْلَقِ لِبَقَاءِ رُكْنَيْ الْحَجِّ وَبَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يَبْقَ إلَّا أَحَدُهُمَا، فَلَمَّا وَجَبَتْ الْبَدَنَةُ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَلَأَنْ تَجِبَ قَبْلَهُ أَوْلَى، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْبَدَنَةَ فِي الْحِجِّ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا: إذَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَعُدْ، وَالثَّانِي: إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَرَوَيْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: وَعَلَيْهِمَا هَدْيٌ وَاسْمُ، الْهَدْيِ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ عَلَى الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ لَكِنَّ الشَّاةَ أَدْنَى، وَالْأَدْنَى مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَحَمْلُهُ عَلَى الْغَنَمِ أَوْلَى عَلَى أَنَّهُ رَوَيْنَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْهَدْيِ فَقَالَ أَدْنَاهُ شَاةٌ» وَيُجْزِئُ فِيهِ شَرِكَةٌ فِي جَزُورٍ أَوْ، بَقَرَةٍ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَكَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْبُدْنِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَذَبَحُوا الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَاعْتِبَارُهُ بِمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَخَفُّ مِنْ الْجِنَايَةِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ فَسَادَ الْحَجِّ، وَالْقَضَاءُ خُلْفٌ عَنْ الْفَائِتِ، فَيُجْبِرُ مَعْنَى الْجِنَايَةِ فَتَخِفُّ الْجِنَايَةُ فَيُوجِبُ نُقْصَانَ الْمُوجِبِ، وَبَعْدَ الْوُقُوفِ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا تَجِبُ بِهِ الْجِنَايَةُ فَبَقِيَتْ مُتَغَلِّظَةً فَتَغَلَّظَ الْمُوجِبُ.
وَلَوْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ جَامَعَ، فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ اسْتِحْسَانًا.
وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ دَمٌ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ قَدْ تَكَرَّرَ فَتَكَرَّرَ الْوَاجِبُ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَمَا أَوْجَبُوا إلَّا دَمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْوُجُوبِ اجْتَمَعَتْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيُكْتَفَى بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ يَجْمَعُ الْأَفْعَالَ الْمُتَفَرِّقَةَ كَمَا يَجْمَعُ الْأَقْوَالَ الْمُتَفَرِّقَةَ كَإِيلَاجَاتٍ فِي جِمَاعٍ وَاحِدٍ أَنَّهَا لَا تُوجِبُ إلَّا كَفَّارَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ كُلُّ إيلَاجَةٍ لَوْ انْفَرَدَتْ أَوْجَبَتْ الْكَفَّارَةَ كَذَا هَذَا.
وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يَجِبُ دَمَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ إلَّا إذَا كَانَ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ بِالْجِمَاعِ الْأَوَّلِ جَزَاءً لِهَتْكِ حُرْمَةِ الْإِحْرَامِ، وَالْحُرْمَةُ حُرْمَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا انْهَتَكَتْ مَرَّةً لَا يُتَصَوَّرُ انْهِتَاكُهَا ثَانِيًا كَمَا فِي صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَمَا إذَا جَامَعَ ثُمَّ جَامَعَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا كَفَّرَ فَقَدْ جَبَرَ الْهَتْكَ فَالْتَحَقَ بِالْعَدَمِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْهَتْكُ ثَانِيًا، وَلَهُمَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ وَقَدْ تَعَدَّدَتْ الْجِنَايَةُ فَيَتَعَدَّدُ الْحُكْمُ- وَهُوَ الْأَصْلُ- إلَّا إذَا قَامَ دَلِيلٌ يُوجِبُ جَعْلَ الْجِنَايَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ حَقِيقَةً مُتَّحِدَةً حُكْمًا- وَهُوَ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ- وَلَمْ يُوجَدْ هاهنا بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ لِلصَّوْمِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ بَلْ جَبْرًا لِهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْجِمَاعِ الثَّانِي إلَّا شَاةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُوجِبْ إلَّا شَاةً وَاحِدَةً فَالثَّانِي أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَادَفَ إحْرَامًا صَحِيحًا، وَالثَّانِي صَادَفَ إحْرَامًا مَجْرُوحًا فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ لِلْأَوَّلِ إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَالثَّانِي أَوْلَى.
وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ جَامَعَ إنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْأَوَّلِ وَلِلثَّانِي شَاةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ ذَبَحَ لِلْأَوَّلِ بَدَنَةً يَجِبُ لِلثَّانِي شَاةٌ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ، وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ هَذَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِالْجِمَاعِ بَعْدَ الْجِمَاعِ رَفْضَ الْإِحْرَامِ فَأَمَّا إذَا أَرَادَ بِهِ رَفْضَ الْإِحْرَامِ، وَالْإِحْلَالِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا سَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ، لِأَنَّ الْكُلَّ مَفْعُولٌ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجِبُ بِهَا إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْإِيلَاجَاتِ فِي الْجِمَاعِ الْوَاحِدِ.
وَمِنْهَا وُجُوبُ الْمُضِيِّ فِي الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ لِقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَمْضِيَا فِي إحْرَامِهِمَا، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ أَوْ لِضَرُورَةِ الْإِحْصَارِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا، فَيَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ فِيهِ فَيَفْعَلُ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُهُ فِي الْحَجَّةِ الصَّحِيحَةِ وَيَجْتَنِبُ جَمِيعَ مَا يَجْتَنِبُهُ فِي الْحَجَّةِ الصَّحِيحَةِ.
وَمِنْهَا وُجُوبُ الْقَضَاءِ؛ لِقَوْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَقْضِيَانِهِ مِنْ قَابِلٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِحَجٍّ خَالٍ عَنْ الْجِمَاعِ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَبَقِيَ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ فَيَلْزَمُهُ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ عَنْهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَائِتِ الْحَجِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ أَفْعَالُ الْحَجِّ بِخِلَافِ الْمُحْصَرِ إذَا حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ بِذَبْحِ الْهَدْيِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةِ أَمَّا قَضَاءُ الْحَجَّةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا قَضَاءُ الْعُمْرَةِ فَلِفَوَاتِ الْحَجِّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ.
وَهَلْ يَلْزَمُهُمَا الِافْتِرَاقُ فِي الْقَضَاءِ؟ قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ: لَا يَلْزَمُهُمَا ذَلِكَ لَكِنَّهُمَا إنْ خَافَا الْمُعَاوَدَةَ يُسْتَحَبُّ لَهُمَا أَنْ يَفْتَرِقَا.
وَقَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَفْتَرِقَانِ وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَفْتَرِقَانِ؛ وَلِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهِ خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي الْجِمَاعِ ثَانِيًا فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِالِافْتِرَاقِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَكَانِ الِافْتِرَاقِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا خَرَجَا مِنْ بَلَدِهِمَا يَفْتَرِقَانِ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا بَلَغَا الْمَوْضِعَ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَكَّرَانِ ذَلِكَ فَرُبَّمَا يَقَعَانِ فِيهِ وَقَالَ زُفَرُ: يَفْتَرِقَانِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّ الْإِحْرَامِ؛ هُوَ الَّذِي حَظَرَ عَلَيْهِ الْجِمَاعَ.
فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَانَ مُبَاحًا، وَلَنَا أَنَّهُمَا زَوْجَانِ، وَالزَّوْجِيَّةُ عِلَّةُ الِاجْتِمَاعِ لَا الِافْتِرَاقِ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا مِنْ خَوْفِ الْوُقُوعِ، يَبْطُلُ بِالِابْتِدَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ الِافْتِرَاقُ فِي الِابْتِدَاءِ مَعَ خَوْفِ الْوُقُوعِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: (يَتَذَكَّرَانِ مَا فَعَلَا فِيهِ) فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَتَذَكَّرَانِ، وَقَدْ لَا يَتَذَكَّرَانِ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ فِعْلًا فِي مَكَان يَتَذَكَّرُ ذَلِكَ الْفِعْلَ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ، ثُمَّ إنْ كَانَا يَتَذَكَّرَانِ مَا فَعَلَا فِيهِ يَتَذَكَّرَانِ مَا لَزِمَهُمَا مِنْ وَبَالِ فِعْلِهِمَا فِيهِ أَيْضًا فَيَمْنَعُهُمَا ذَلِكَ عَنْ الْفِعْلِ، ثُمَّ يَبْطُلُ هَذَا بِلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ فَإِنَّهُ إذَا لَبِسَ الْمِخْيَطَ أَوْ تَطَيَّبَ حَتَّى لَزِمَهُ الدَّمُ يُبَاحُ لَهُ إمْسَاكُ الثَّوْبِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُذَكِّرُهُ لُبْسَ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ، فَدَلَّ أَنَّ الِافْتِرَاقَ لَيْسَ بِلَازِمٍ لَكِنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَمُسْتَحَبٌّ عِنْدَ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِيمَا وَقَعَا فِيهِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَفْتَرِقَانِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ هَذَا إذَا كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ قَارِنًا، فَالْقَارِنُ إذَا جَامَعَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ الطَّوَافِ لِلْعُمْرَةِ أَوْ قَبْلَ الْكَثْرَةِ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ وَحَجَّتُهُ، وَعَلَيْهِ دَمَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ، وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِمَا وَإِتْمَامُهُمَا عَلَى الْفَسَادِ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُمَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ.
أَمَّا فَسَادُ الْعُمْرَةِ فَلِوُجُودِ الْجِمَاعِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْعُمْرَةِ كَمَا فِي حَالِ الِانْفِرَادِ.
وَأَمَّا فَسَادُ الْحَجَّةِ؛ فَلِحُصُولِ الْجِمَاعِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ كَمَا فِي حَالِ الِانْفِرَادِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الدَّمَيْنِ فَلِأَنَّ الْقَارِنَ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامَيْنِ عِنْدَنَا، فَالْجِمَاعُ حَصَلَ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامَيْنِ فَأَوْجَبَ نَقْصًا فِي الْعِبَادَتَيْنِ فَيُوجِبُ كَفَّارَتَيْنِ كَالْمُقِيمِ إذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ.
وَأَمَّا لُزُومُ الْمُضِيِّ فِيهِمَا فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ وُجُوبَ الْإِحْرَامِ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَأَمَّا وُجُوبُ قَضَائِهِمَا؛ فَلِإِفْسَادِهِمَا فَيَقْتَضِي عُمْرَةً مَكَانَ عُمْرَةٍ وَحَجَّةً، مَكَانَ حَجَّةٍ وَأَمَّا سُقُوطُ دَمِ الْقِرَانِ عَنْهُ؛ فَلِأَنَّهُ أَفْسَدَهُمَا، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَارِنَ إذَا فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ أَوْ أَفْسَدَ أَحَدَهُمَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ ثَبَتَ شُكْرًا، لِنِعْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقُرْبَتَيْنِ وَبِالْفَسَادِ بَطَلَ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَسَقَطَ الشُّكْرُ وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ أَوْ طَافَ أَكْثَرَهُ- وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ- أَوْ بَعْدَ مَا طَافَ لَهَا وَسَعَى قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَتْ حَجَّتُهُ وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ أَمَّا فَسَادُ حَجَّتِهِ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ حُصُولُ الْجِمَاعِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.
وَأَمَّا عَدَمُ فَسَادِ عُمْرَتِهِ فَلِحُصُولِ الْجِمَاعِ بَعْدَ وُقُوعِ الْفَرَاغِ مِنْ رُكْنِهَا فَلَا يُوجِبُ فَسَادَهَا كَمَا فِي حَالِ الِانْفِرَادِ، وَعَلَيْهِ دَمَانِ: أَحَدُهُمَا لِفَسَادِ الْحَجَّةِ بِالْجِمَاعِ وَالْآخَرُ لِوُجُودِ الْجِمَاعِ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِمَا وَإِتْمَامُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّةَ هِيَ الَّتِي فَسَدَتْ دُونَ الْعُمْرَةِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ فَسَدَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْحَجُّ وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَبَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَا عُمْرَتُهُ أَمَّا عَدَمُ فَسَادِ الْحَجِّ؛ فَلِأَنَّ الْجِمَاعَ وُجِدَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ.
وَأَمَّا عَدَمُ فَسَادِ الْعُمْرَةِ؛ فَلِأَنَّهُ جَامَعَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ رُكْنِ الْعُمْرَةِ، وَعَلَيْهِ إتْمَامُهَا لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ إتْمَامُهَا عَلَى الْفَسَادِ فَعَلَى الصِّحَّةِ، وَالْجَوَازُ أَوْلَى وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَشَاةٌ، الْبَدَنَةُ لِأَجْلِ الْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَالشَّاةُ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِلْعُمْرَةِ بَاقٍ، وَالْجِمَاعُ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ يُوجِبُ الشَّاةَ وَهَاهُنَا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فَسَادُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلَا فَسَادُ أَحَدِهِمَا، فَأَمْكَنَ إيجَابُ الدَّمِ شُكْرًا، فَإِنْ جَامَعَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، فَعَلَيْهِ دَمَانِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا.
فَإِنْ جَامَعَ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ لِلزِّيَارَةِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَشَاةٌ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ يَتَحَلَّلُ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ مَعًا وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ بَعْدَ إحْرَامِ الْحَجَّةِ فَكَذَا فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ كَمَا يَقَعُ لَهُ التَّحَلُّلُ مِنْ غَيْرِ النِّسَاءِ بِالْحَلْقِ فِيهِمَا جَمِيعًا وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ الْإِحْرَامُ رَأْسًا إلَّا إذَا طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ، فَعَلَيْهِ شَاتَانِ لِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ لَهُمَا جَمِيعًا وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الرُّقَيَّاتِ فِيمَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَطَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ طَاهِرًا، ثُمَّ جَامَعَ النِّسَاءَ قَبْل أَنْ يُعِيدَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَمَّا فِي الْقِيَاسِ فَلَا شَيْءَ وَلَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَحْسَنَ فِيمَا إذَا طَافَ جُنُبًا ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ أَعَادَهُ طَاهِرًا أَنَّهُ يُوجِبُ عَلَيْهِ دَمًا وَكَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُنَا: (وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الطَّوَافِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فَقَدْ وَقَعَ التَّحَلُّلُ بِطَوَافِهِ، وَالْجِمَاعُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ (وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إذَا أَعَادَهُ- وَهُوَ طَاهِرٌ- فَقَدْ انْفَسَخَ الطَّوَافُ الْأَوَّلُ عَلَى طَرِيقِ بَعْضِ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَصَارَ طَوَافُهُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تُوجِبُ نُقْصَانًا فَاحِشًا فَتُبُيِّنَ أَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الطَّوَافِ فَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ هُنَاكَ يَسِيرٌ فَلَمْ يَنْفَسِخْ الْأَوَّلُ فَبَقِيَ جِمَاعُهُ بَعْدَ التَّحَلُّلُ، فَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ.
وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الرُّقَيَّاتِ فِيمَنْ طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ جَامَعَ أَنَّهُ تَفْسُدُ الْعُمْرَةُ، وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ مَكَانَهَا وَعَلَيْهِ فِي الْحَجِّ بَدَنَةٌ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الطَّوَافِ أَكْثَرُ- الْأَشْوَاطِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ- فَإِذَا طَافَ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ فَلَمْ يَأْتِ بِأَكْثَرِ الْأَشْوَاطِ فَحَصَلَ الْجِمَاعُ قَبْلَ الطَّوَافِ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَجَامَعَ أَنَّهُ يَمْضِي عَلَى إحْرَامِهِ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْجِمَاعِ، وَالْقَضَاءُ لِلْفَوَاتِ أَمَّا وُجُوبُ الْمُضِيِّ فَلِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا وُجُوبُ الدَّمِ بِالْجِمَاعِ فَلِوُجُودِ الْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَحَلُّلٌ بِمِثْلِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ بِعُمْرَةٍ بَلْ هُوَ بَقِيَّةُ أَفْعَالِ حَجٍّ قَدْ وَجَبَ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ الْمُبْتَدَأَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمُتَمَتِّعُ إذَا جَامَعَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ وَالْمُفْرِدِ بِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ أَوَّلًا ثُمَّ يُحْرِمُ بِحَجَّةٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الْمُفْرِدِ بِالْحَجَّةِ، وَسَنَذْكُرُ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- حُكْمَ الْمُفْرِدِ بِالْعُمْرَةِ فِي مَوْضِعِهِ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُفَوِّتُ الْحَجَّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ بِفَوَاتِهِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُفَوِّتُ الْحَجَّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ بِفَوَاتِهِ وَبَيَانُ حُكْمِهِ إذَا فَاتَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، فَالْحَجُّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لَا يَفُوتُ إلَّا بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَ الْحَجَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ فَإِذَا وُجِدَ فَقَدْ وُجِدَ الْحَجُّ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا وَفَائِتًا، وَالثَّانِي أَنَّهُ جَعَلَ تَمَامَ الْحَجِّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّمَامَ- الَّذِي هُوَ ضِدُّ النُّقْصَانِ- لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِالْوُقُوفِ وَحْدَهُ، فَيَدُلُّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ خُرُوجُهُ عَنْ احْتِمَالِ الْفَوَاتِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ» جَعَلَ مُدْرِكَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مُدْرِكًا لِلْحَجِّ، وَالْمُدْرَكُ لَا يَكُونُ فَائِتًا.
وَأَمَّا حُكْمُ فَوَاتِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ فَيَتَعَلَّقُ بِفَوَاتِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ أَحْكَامٌ مِنْهَا: أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ مِنْ إحْرَامِهِ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ إنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيُحِلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ غَيْرِ دَمٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ».
وَعَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ: يُحِلُّ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ هَدْيٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا يَتَحَلَّلُ بِهِ فَائِتُ الْحَجِّ مِنْ الطَّوَافِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ أَوْ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: بِإِحْرَامِ الْحَجِّ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَيَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ إحْرَامَ عُمْرَةٍ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيّ «فَلْيُحِلَّ بِعُمْرَةٍ» سَمَّاهُ عُمْرَةً وَلَا عُمْرَةَ إلَّا بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، فَدَلَّ أَنَّ إحْرَامَهُ يَنْقَلِبُ إحْرَامَ عُمْرَةٍ، وَلِأَنَّ الْمُؤَدَّى أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ، فَكَانَتْ عُمْرَةً، وَلَهُمَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُحِلُّ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ أَضَافَ الْعَمَلَ إلَى الْعُمْرَةِ، وَالشَّيْءُ لَا يُضَافُ إلَى نَفْسِهِ هُوَ الْأَصْلُ، وَلِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَا بِالْعُمْرَةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ مُفْرِدٌ بِالْحَجِّ، وَاعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ، فَالْقَوْلُ بِانْقِلَابِ إحْرَامِ الْحَجِّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ تَغْيِيرُ الْحَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ مَعَ أَنَّ الْإِحْرَامَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ الِانْفِسَاخَ، وَفِي الِانْقِلَابِ انْفِسَاخٌ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ كَمَا يَتَحَلَّلُ أَهْلُ الْآفَاقِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ.
وَلَوْ انْقَلَبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ عُمْرَةٍ وَصَارَ مُعْتَمِرًا لَلَزِمَهُ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ- وَهُوَ التَّنْعِيمُ أَوْ غَيْرُهُ- وَكَذَا فَائِتُ الْحَجِّ إذَا جَامَعَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْعُمْرَةِ، وَلَوْ كَانَ عُمْرَةً لَوَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ كَالْعُمْرَةِ الْمُبْتَدَأَةِ فَيَثْبُتُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ أَنَّ إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ لَمْ يَنْقَلِبْ إحْرَامَ عُمْرَةٍ، وَبِهِ تُبُيِّنَ أَنَّ الْمُؤَدَّى لَيْسَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ بَلْ مِثْلَ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ تُؤَدَّى بِإِحْرَامِ الْحَجَّةِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى عَمَلِ الْعُمْرَةِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ.
وَمِنْهَا أَنَّ عَلَيْهِ الْحَجَّ مِنْ قَابِلٍ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَقَوْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلِأَنَّهُ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ بَقِيَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ فَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ، وَلَا دَمَ عَلَى فَائِتِ الْحَجِّ عِنْدَنَا وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَلَيْهِ دَمٌ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ.
(وَجْهُ) قَوْلِ الْحَسَنِ (أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ قَبْلَ وَقْتِ التَّحَلُّلِ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ كَالْمُحْصَرِ) وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ: يُحِلُّ بِعُمْرَةٍ مِنْ غَيْرِ هَدْيٍ.
وَكَذَا فِي حَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيّ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّحَلُّلَ وَالْحَجَّ مِنْ قَابِلٍ كُلَّ الْحُكْمِ فِي فَائِتِ الْحَجِّ بِقَوْلِهِ «مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَلْيُحِلَّ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» فَمَنْ ادَّعَى زِيَادَةَ الدَّمِ فَقَدْ جَعَلَ الْكُلَّ بَعْضًا- وَهُوَ نَسْخٌ أَوْ تَغْيِيرٌ- فلابد لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَقَوْلُهُ تَحَلَّلْ قَبْلَ الْوُقُوفِ مُسَلَّمٌ لَكِنْ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ فَائِتُ الْحَجِّ، وَالتَّحَلُّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ مِنْ فَائِتِ الْحَجِّ كَالْهَدْيِ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ، وَلَيْسَ عَلَى فَائِتِ الْحَجِّ طَوَافُ الصَّدْرِ؛ لِأَنَّهُ طَوَافٌ عُرِفَ وُجُوبُهُ فِي الشَّرْعِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ عَلَى مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرَ عَهْدِهِ بِهِ الطَّوَافُ» وَهَذَا لَمْ يَحُجَّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ فَائِتُ الْحَجِّ قَارِنًا فَإِنَّهُ يَطُوفُ لِلْعُمْرَةِ وَيَسْعَى لَهَا ثُمَّ يَطُوفُ طَوَافًا آخَرَ؛ لِفَوَاتِ الْحَجِّ وَيَسْعَى لَهُ وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، وَقَدْ بَطَلَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ، أَمَّا الطَّوَافُ لِلْعُمْرَةِ وَالسَّعْيُ لَهَا فَلِأَنَّ الْقَارِنَ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، وَالْعُمْرَةُ لَا تَفُوتُ، لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ وَقْتُهَا، فَيَأْتِي بِهَا كَمَا يَأْتِي الْمُدْرِكُ لِلْحَجِّ.
وَأَمَّا الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لِلْحَجِّ، فَلِأَنَّ الْحَجَّةَ قَدْ فَاتَتْهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَفَائِتُ الْحَجِّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لَا يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ.
وَأَمَّا سُقُوطُ دَمِ الْقِرَانِ يَجِبُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَجِبُ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا أَخَذَ مِنْ الطَّوَافَ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا سَاقَ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ، وَيَصْنَعُ كَمَا يَصْنَعُ الْقَارِنُ؛ لِأَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ يَجِبُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجَّةِ، وَلَمْ يُوجَدْ الْجَمْعُ لِأَنَّ الْحَجَّةَ فَاتَتْهُ.